أثار حكم الاستئناف الأخير بتمكين المنقبات من الدخول إلى حرم الجامعة الأمريكية عدة تساؤلات في نفسي، وأعاد إلى ذهني صورة الطالبة الجالسة بنقابها داخل قاعة الدراسة في الجامعة .
وأنا لست هنا بصدد مناقشة النقاب من حيث حلاله أم حرامه (فأنا لا أدعي علماً في هذا المجال)، كما أنني لست بصدد مناقشة النقاب من وجهة نظر مجتمعية أو أمنية (فهذا أمر ينبغي دراسته دراسة مستفيضة منفصلة)، وإنما سأركز مناقشتي في العلاقة بين النقاب وعملية التعليم والتعلم، والتساؤل عما إذا كان النقاب يؤثر سلباً أم إيجاباً في نجاح العملية التعليمية التي هي أملنا الوحيد لرفع شأن هذه الأمة.
التساؤل الأول يتعلق بقدرة الطالبة على المنقبة على تحصيل الدرس بنفس درجة الكفاءة مثل الآخرين والأخريات من الطلاب. والحقيقة هي أننا لو نظرنا إلى التعليم بوصفه عملية تلقين خالصة أي بوصفها طريقاً ذا اتجاه واحد يمثل فيها الأستاذ وعاءً امتلأ علماً ومعرفة، وواجبه الأوحد يتلخص في سكب ذلك العلم في الآنية الصغيرة التي هي عقول طلابه، فإن الطالب لا يكون مطالباً سوى بالإصغاء الجيد وتسجيل الدرس ثم ترديده لاحقاً. في هذه الحالة لن يجد الأستاذ أية غضاضة في أن تكون جميع طالباته من المنقبات، حيث أنه لا يتوقع تفاعلاً أو استجابة من جانبهن، فإذا استمعت الطالبة إلى الدرس واستفادت منه فلا بأس، أما إذا شردت بذهنها ولم تصغ لكلمة واحدة فهذا شأنها، بل إن الأستاذ لن يهمه في هذه الحالة إذا كان يخاطب مقاعد خالية أو يتحدث عبر شبكة تليفزيونية كما يحدث في بعض البلدان العربية فالمطلوب منه فقط هو إلقاء المحاضرة أو بالأحرى "تسميعها".
وحيث أن ذلك النموذج قد ثبت فشله ولا يوجد نظام تعليمي فعال في الوقت الراهن يقر بفاعليته، هذا إلى جانب أن تراثنا التعليمي ذاته يقوم على أساس المجادلة والمناقشة والتفاعل، فإن العملية التعليمية ينبغي أن تقوم على مبدأ الأخذ والعطاء بين الأستاذ والطالب، وتنجح أو تفشل بقدر التفاعل بينهما. الأستاذ في هذه الحالة يعتمد اعتمادا تاماً تقريباً على قراءة واستقراء وجوه طلابه فيرى عليها السأم أو الغبطة أو اللامبالاة أو القلق أو الفهم أو الضياع أو الشرود، وفي كل حالة يستطيع مثل أي ممثل مسرحي متمرس أو إعلامي يظهر على الهواء مباشرة أن يبتكر أو يرتجل لكي يجذب اهتمامهم ويشد انتباههم ويعيدهم مرة أخرى إلى المنطقة المشتركة بينهما أو إلى الفكرة التي يحاول توصيلها إليهم.
كيف يستطيع الأستاذ إذن أن يتفاعل مع طلابه وأمامه سد منيع يغطي الوجه ومع كل الانفعالات الإنسانية التي تستطيع إرشاده إلى حقيقة مشاعر الطالبات؟ كيف يمكنه القيام بدوره وتحفيزهن على المشاركة والمناقشة والتعامل الإنساني المباشر غير متاح؟ إن وجوه الطلاب المؤشر الأساسي للأستاذ في التواصل مع طلابه، فإذا اختفى ذلك المؤشر فكيف يستطيع الاستمرار؟
التعلم ليس عملية سلبية تجلس فيها المتلقية بدون أن تعمل فكرها وتقدح ذهنها وتفكر بشكل منطقي في الآراء المعروضة عليها، ثم تحاور وتجادل وتعرض رأيها إذا كان مختلفاً، فذلك هو الطريق الأوحد للتعلم. الطلاب والطالبات ليسوا أجهزة تسجيل تدون كل صوت يصدر ثم تعيد تشغيله بدون أية إضافة أو مناقشة أو تعديل، فلو أن الإنسانية سارت على ذلك النحو لكنا ما نزال نعيش في الغابة. التعلم هو التمرد على الحاضر والكائن من أجل ابتكار الجديد. بدون تفاعل حقيقي بين الأستاذ وطلابه فإن العملية التعليمية تصبح مسرحية عبثية يلعب فيها الأستاذ والطلاب أدوراً هزلية بلا معنى ولا جدوى.
التساؤل الثاني كثيراً ما يلح علي كلما نظرت إلى الطالبة المنقبة داخل قاعة المحاضرات وفي الامتحانات التي تستمر عادة لساعات طويلة وهي تجاهد عبر طيات السواد التي تقف أمام عينيها لكي تقرأ أو تكتب، وهذا التساؤل يتعلق بتأثير حجب الإضاءة الطبيعية عن العينين لفترات طويلة على الإبصار أولاً ثم على وظائف المخ ثانياً. وأنا هنا لا أقرر إذا ما كان ذلك يعد أمراً سلبياً أم إيجابياً، فلربما طلع علينا من يؤكد أن أفضل شيء للعينين أثناء القراءة هو وجود ساتر أسود يحجب الإضاءة عنهما فتستريحان من الضوء المبهر (كما تفعل نظارات الشمس مثلاً)، أو أن حياتنا ستكون أجمل وأكثر بهجة إذا نحن شاهدنا العالم من وراء ستار أسود. ولكن كل ما أتمناه وأرجوه أن تجرى دراسات علمية موضوعية تدرس هذه العادة الاجتماعية من وجهة نظر طبية وصحية، وأقل ما يمكننا عمله كمجتمع مستنير يسعى لإعطاء شبابه أفضل الفرص وتهيئة أفضل الظروف لهم هو أن نجعلهم يدركون تبعات اختياراتهم بعد أن نوفر لهم كل المعلومات الصحيحة حول تأثير حجب الإضاءة لفترات طويلة على عيون الشابات وحتى يصبح أي داعية أو زوج يحث امرأة على تغمية عينيها مدركاً تماماً لنتائج هذا التحريض ويكون مسئولاً مسئولية أخلاقية عن ذلك أمام ذاته وأمام الله.
التساؤل الثالث يدور حول جودة الهواء داخل شرنقة النقاب، فكثيراً ما تساورني الشكوك أن المرأة التي تكتم أنفاسها وراء النقاب ربما كانت لا تتنفس هواءً طبيعياً نقياً، ويعلم الله أننا نعيش جميعنا في مدن هواؤها ملوث ولا نملك حيال ذلك شيئاً، فما بالك بحيز هوائي لا يزيد عن سنتيمترات صغيرة تستنشق فيه الفتاة/الطالبة الهواء نفسه؟ وما هو تأثير قلة الأوكسجين على صحة الفتاة أولا ثم على قدرتها على التحصيل ثانية؟ ومرة أخرى ربما أكون مخطئة في تقديري وربما يؤكد لي البعض أم الهواء خلف النقاب يمتلئ بأوكسجين رباني لا يعرفه أمثالنا من البشر. ولكنني أتمنى أن تجرى دراسات توضح مدى التلوث الهوائي – إذا كان كذلك فعلا- الناتج عن عدم تجدد الهواء. كما ينبغي دراسة تأثير الحرارة والعرق حلف النقاب على أداء الطالبة وقدرتها على الاستيعاب. وأنا أذكر في مناقشة مع إحدى المنقبات أنني تساءلت عن حرارة الملبس خاصة في مناخنا شديد الحرارة صيفاً فكانت إجابتها أن نار جهنم أشد وأكثر لهباً. والحقيقة أن هناك عملية من الترهيب غير المنظم الذي يسعى لإقناع السيدات في المجتمع عن طريق الخوف أكثر من أي شيء آخر بارتداء هذا الزى وربط تعذيب النفس بالغفران في الآخرة، والسؤال هو: هل أصبح تعذيب النفس قيمة إنسانية نسعى إليها جميعنا؟
وأنا لست هنا بصدد مناقشة النقاب من حيث حلاله أم حرامه (فأنا لا أدعي علماً في هذا المجال)، كما أنني لست بصدد مناقشة النقاب من وجهة نظر مجتمعية أو أمنية (فهذا أمر ينبغي دراسته دراسة مستفيضة منفصلة)، وإنما سأركز مناقشتي في العلاقة بين النقاب وعملية التعليم والتعلم، والتساؤل عما إذا كان النقاب يؤثر سلباً أم إيجاباً في نجاح العملية التعليمية التي هي أملنا الوحيد لرفع شأن هذه الأمة.
التساؤل الأول يتعلق بقدرة الطالبة على المنقبة على تحصيل الدرس بنفس درجة الكفاءة مثل الآخرين والأخريات من الطلاب. والحقيقة هي أننا لو نظرنا إلى التعليم بوصفه عملية تلقين خالصة أي بوصفها طريقاً ذا اتجاه واحد يمثل فيها الأستاذ وعاءً امتلأ علماً ومعرفة، وواجبه الأوحد يتلخص في سكب ذلك العلم في الآنية الصغيرة التي هي عقول طلابه، فإن الطالب لا يكون مطالباً سوى بالإصغاء الجيد وتسجيل الدرس ثم ترديده لاحقاً. في هذه الحالة لن يجد الأستاذ أية غضاضة في أن تكون جميع طالباته من المنقبات، حيث أنه لا يتوقع تفاعلاً أو استجابة من جانبهن، فإذا استمعت الطالبة إلى الدرس واستفادت منه فلا بأس، أما إذا شردت بذهنها ولم تصغ لكلمة واحدة فهذا شأنها، بل إن الأستاذ لن يهمه في هذه الحالة إذا كان يخاطب مقاعد خالية أو يتحدث عبر شبكة تليفزيونية كما يحدث في بعض البلدان العربية فالمطلوب منه فقط هو إلقاء المحاضرة أو بالأحرى "تسميعها".
وحيث أن ذلك النموذج قد ثبت فشله ولا يوجد نظام تعليمي فعال في الوقت الراهن يقر بفاعليته، هذا إلى جانب أن تراثنا التعليمي ذاته يقوم على أساس المجادلة والمناقشة والتفاعل، فإن العملية التعليمية ينبغي أن تقوم على مبدأ الأخذ والعطاء بين الأستاذ والطالب، وتنجح أو تفشل بقدر التفاعل بينهما. الأستاذ في هذه الحالة يعتمد اعتمادا تاماً تقريباً على قراءة واستقراء وجوه طلابه فيرى عليها السأم أو الغبطة أو اللامبالاة أو القلق أو الفهم أو الضياع أو الشرود، وفي كل حالة يستطيع مثل أي ممثل مسرحي متمرس أو إعلامي يظهر على الهواء مباشرة أن يبتكر أو يرتجل لكي يجذب اهتمامهم ويشد انتباههم ويعيدهم مرة أخرى إلى المنطقة المشتركة بينهما أو إلى الفكرة التي يحاول توصيلها إليهم.
كيف يستطيع الأستاذ إذن أن يتفاعل مع طلابه وأمامه سد منيع يغطي الوجه ومع كل الانفعالات الإنسانية التي تستطيع إرشاده إلى حقيقة مشاعر الطالبات؟ كيف يمكنه القيام بدوره وتحفيزهن على المشاركة والمناقشة والتعامل الإنساني المباشر غير متاح؟ إن وجوه الطلاب المؤشر الأساسي للأستاذ في التواصل مع طلابه، فإذا اختفى ذلك المؤشر فكيف يستطيع الاستمرار؟
التعلم ليس عملية سلبية تجلس فيها المتلقية بدون أن تعمل فكرها وتقدح ذهنها وتفكر بشكل منطقي في الآراء المعروضة عليها، ثم تحاور وتجادل وتعرض رأيها إذا كان مختلفاً، فذلك هو الطريق الأوحد للتعلم. الطلاب والطالبات ليسوا أجهزة تسجيل تدون كل صوت يصدر ثم تعيد تشغيله بدون أية إضافة أو مناقشة أو تعديل، فلو أن الإنسانية سارت على ذلك النحو لكنا ما نزال نعيش في الغابة. التعلم هو التمرد على الحاضر والكائن من أجل ابتكار الجديد. بدون تفاعل حقيقي بين الأستاذ وطلابه فإن العملية التعليمية تصبح مسرحية عبثية يلعب فيها الأستاذ والطلاب أدوراً هزلية بلا معنى ولا جدوى.
التساؤل الثاني كثيراً ما يلح علي كلما نظرت إلى الطالبة المنقبة داخل قاعة المحاضرات وفي الامتحانات التي تستمر عادة لساعات طويلة وهي تجاهد عبر طيات السواد التي تقف أمام عينيها لكي تقرأ أو تكتب، وهذا التساؤل يتعلق بتأثير حجب الإضاءة الطبيعية عن العينين لفترات طويلة على الإبصار أولاً ثم على وظائف المخ ثانياً. وأنا هنا لا أقرر إذا ما كان ذلك يعد أمراً سلبياً أم إيجابياً، فلربما طلع علينا من يؤكد أن أفضل شيء للعينين أثناء القراءة هو وجود ساتر أسود يحجب الإضاءة عنهما فتستريحان من الضوء المبهر (كما تفعل نظارات الشمس مثلاً)، أو أن حياتنا ستكون أجمل وأكثر بهجة إذا نحن شاهدنا العالم من وراء ستار أسود. ولكن كل ما أتمناه وأرجوه أن تجرى دراسات علمية موضوعية تدرس هذه العادة الاجتماعية من وجهة نظر طبية وصحية، وأقل ما يمكننا عمله كمجتمع مستنير يسعى لإعطاء شبابه أفضل الفرص وتهيئة أفضل الظروف لهم هو أن نجعلهم يدركون تبعات اختياراتهم بعد أن نوفر لهم كل المعلومات الصحيحة حول تأثير حجب الإضاءة لفترات طويلة على عيون الشابات وحتى يصبح أي داعية أو زوج يحث امرأة على تغمية عينيها مدركاً تماماً لنتائج هذا التحريض ويكون مسئولاً مسئولية أخلاقية عن ذلك أمام ذاته وأمام الله.
التساؤل الثالث يدور حول جودة الهواء داخل شرنقة النقاب، فكثيراً ما تساورني الشكوك أن المرأة التي تكتم أنفاسها وراء النقاب ربما كانت لا تتنفس هواءً طبيعياً نقياً، ويعلم الله أننا نعيش جميعنا في مدن هواؤها ملوث ولا نملك حيال ذلك شيئاً، فما بالك بحيز هوائي لا يزيد عن سنتيمترات صغيرة تستنشق فيه الفتاة/الطالبة الهواء نفسه؟ وما هو تأثير قلة الأوكسجين على صحة الفتاة أولا ثم على قدرتها على التحصيل ثانية؟ ومرة أخرى ربما أكون مخطئة في تقديري وربما يؤكد لي البعض أم الهواء خلف النقاب يمتلئ بأوكسجين رباني لا يعرفه أمثالنا من البشر. ولكنني أتمنى أن تجرى دراسات توضح مدى التلوث الهوائي – إذا كان كذلك فعلا- الناتج عن عدم تجدد الهواء. كما ينبغي دراسة تأثير الحرارة والعرق حلف النقاب على أداء الطالبة وقدرتها على الاستيعاب. وأنا أذكر في مناقشة مع إحدى المنقبات أنني تساءلت عن حرارة الملبس خاصة في مناخنا شديد الحرارة صيفاً فكانت إجابتها أن نار جهنم أشد وأكثر لهباً. والحقيقة أن هناك عملية من الترهيب غير المنظم الذي يسعى لإقناع السيدات في المجتمع عن طريق الخوف أكثر من أي شيء آخر بارتداء هذا الزى وربط تعذيب النفس بالغفران في الآخرة، والسؤال هو: هل أصبح تعذيب النفس قيمة إنسانية نسعى إليها جميعنا؟